mercredi 15 juin 2011

شجرة الحياة في التراث البابلي والتوراتي



إن مفهوم شجرة الحياة في تراث الرافدين القديم، وهو كونها تعني الألوهة، لأن كلمة “إيلانا” الأرامية أو البابلية
الأكادية تعني الألوهة، لأن الكلمة (ايلانا) مركبة من إيل – آنا، وتعني الاله أنا، وهذا بالفعل هو الحقيقة حيث إيلانا – إيل آنا – اله – الآله – الله. حيث أن الانسان الأول في وادي الرافدين – إن صح التعبير _ أول ما عبد، تعبّد للشجرة التي يأكل من ثمارها، ويبني بيته من جذعها وسعفها (اغصانها) ويتدفأ بحطبها، ويصنع من خشبها كل أدواته البيتية، فكانت بالنسبة له هي الحياة، وبهذا الاعتبار، تكون الشجرة هي الحياة المقدسة، أي حياة الألوهة الخالدة خلود الشجرة. وعليه فإن ربط الحياة بالألوهة، والألوهة بالحياة، تعني حياة الاله القادر على الخلق والابداع.

ومن هنا ترتبط الفكرة بين الألوهة والحياة الى الله الواحد في التوراة والتي يصبح فيها الله الخالق لكل الكائنات، والضابط الكل كما ورد في قصة الخلق الاينوما ايليش البابلية. وهي بالذات (شجرة الحياة – الايلانا) تنتقل الى سفر التكوين (الفصل الثاني) حيث نعرف ان الله “أنبت من الأرض كل شجرة حسنة المنظر، طيبة المأكل، وكان من بينها شجرة الحياة”.
في معنى أول يبرز أمامنا أن الشجرة تبدو هنا سنداً لفكرة هامة: الحياة هي كالاطار بالنسبة الى لوحة فنية. والمهم ليس الاطار بل اللوحة. وكذا نقول هنا: المهم ليس الشجرة بل الحياة التي تحملها الشجرة.
فالكاتب التوراتي يريد أن يحدثنا عن جنة مغايرة لجنة بابل، جنّة يتمتع الانسان فيها بالحياة مع الله الذي يمنحها له من خلال عيش الانسان وارتباطه مع الله. فالجنة والحالة هذه حالة ميتافيزيقية ينعم بها من يدركها روحياً، على خلاف الجنة السومرية – البابلية الحسية. لهذا حينما طرد إله العهد القديم الانسان من جنته الروحية، أصبح كل شيء عنده وهماً بينما في الجنة الرافدينية، تغير كل شيء الى “شوك وعوسج” وماعادت كل الأشجار تهمه لا سيما شجرة الحياة.
وفي معنى ثان، الشجرة في العالم القديم رمز مقدّس يمثل الألوهة كما سبق وأسلفنا، وهو لايزال حاضراً الى اليوم لدى القبائل العديدة في أفريقيا.
وهكذا يلتقي كلكامش مع سفر التكوين في الكلام عن “نبتة” أو شجرة الحياة. ولكن في ملحمة كلكامش عطية الحياة ترتبط بالبحث عن النبتة التي يعثر عليها في قاع البحر، والانسان يصل الى الخلود بهذه الطريقة الحسية التي في النهاية لم توصله الى الخلود حيث سرقتها الحية منه فنالت هي الخلود.
أما شجرة الحياة في العهد القديم، فترمز الى الحياة الأخرى مع الله.
في الصورة الأولى، الذي منع الخلود وأبعده عن كلكامش هي الحية، حيث أتت سرّاً وسرقت تلك النبتة العجيبة. أما في سفر التكوين الصورة الثانية، فالحية خدعت الانسان بكلامها المعسول، فقطعت الطريق الى الوصول الى شجرة الحياة: هناك إشارة في كتاب أخنوخ عن شجرة الحياة، فقال في “كتاب الساهرين”: “وسط هذه الأشجار، كانت شجرة جميلة ما سممت من قبل عطرها (ولا نال أحد هذه السعادة) وما كانت تشبه شجرة أخرى. كانت تنشر عطراً يتفوّق برائحته على كل الطيوب. ورقها، زهرها، والشجرة نفسها لا تذبل أبداً. ثمرها جميل ويشبه عناقيد النخل. فقلت: ما أجمل هذه الشجرة ورائحتها، أوراقها وأزهارها تسرّ النظر” . (بولس الفغالي، أخنوخ، الرابطة الكتابية 1999 ص. 51).
وتحدث نيوفيتي الذي كشف في رومة عام 1956 عن الفردوس فقال: “وأنت الرب الاله من الأرض كلّ شجرة شهية للنظر وطيبة للمأكل وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة المعرفة: كل من يأكل منها يعرف أن يميز الخير والشر”. (بولس الفغالي، ترجوم نيوفيتي، سفر التكوين، الرابطة الكتابية 2002 ص. 31).
أما ترجوم يوناتان فأضاف تفصيلاً آخر: “وأنبت الرب الاله من الأرض كل شجرة… وشجرة الحياة في وسط الجنة… مثل ارتفاعها مسافة 500 سنة والشجرة التي يأكلون من ثمارها فيميزون بين الخير والشرّ” (بيبليا، الفغالي، العدد 25، ص52).
ونصّ سفر التكوين الذي كتب في القرن الخامس قبل الميلاد، أفترض أن الانسان مائت لا محالة بسبب الخطيئة حسبما قال الله للانسان الأول. أما شجرة الحياة التي منع الانسان الأكل منها، فقد صارت غاية لا يمكن الوصول اليها إلا بالسعي المستقيم والتجرّد الكامل عن الحياة ليكسب الحياة كما فعل كلكامش مع أوتونا بشتيم. فيكون النص التكويني والحال هذه متأثر الى حد بعيد بالنص الملحمي لكلكامش، حيث يلتقيان بالغاية والوسيلة اللتين تؤديان بالانسان الى الخلود في الحياة الثانية.
الخلاصة
إن بلاد الشرق الأوسط من العراق الى سورية مروراً بلبنان وفلسطين وانتهاء بالأردن، هذه البلدان القديمة حضارة وتراثاً، تلاقت وتفاعلت فيها مظاهر الحضارة جميعها الفكرية والروحية والاجتماعية حتى السياسية والاقتصادية وفي مقدمتها الأديان التي تبناها أبناء البلاد آلهة وليتورجيات، السومرية والبابلية والآشورية مع الكنعانية والأرامية مع الفينيقية والحتية، حيث استقى من هذا التراث الخالد والغنى الكبير المتنوّع والمترادف.
فالفكر الروحي المعجون بالايمان البدئي، فخيرة الخلق هي في سومر وبابل ومدن كنعان، والصور ذاتها للآلهة العديدين، أو الاله الواحد، الاله الأعظم الذي يخلق الانسان على صورته ومثاله، من دمه وظله، من التراب والماء. ورغبة هذا الانسان في الخلود والتغلب على الموت رافقت جميع الشعوب الشرق أوسطية – الأدنوية، فراح الفرعون في قاربه الخاص للقاء إله الشمس آمون، وكذلك البابليون ينادون على الاله أوتو آله الشمس شماش، وكذلك الفينيقيون تحدثوا عن موت وقيامة أدونيس وأيضاً سبقهم السومريون البابليون بموت دوموزي ونزوله الى العالم الأسفل ثم صعوده مع إلهة الحب إينانا (عشتار).
أما كلكامش فقد تطلّع الى الخلود، وفي النهاية فهم أنه مائت مثل صديقه أنكيدو. وإن نبتة الحياة سرقتها الحية منه. واعتبرت التوراة أن الانسان لن يصل الى الحياة الخالدة، لن يستطيع أن يقطف من ثمر شجرة الحياة، إلا إذا خضع لله الذي وحده هو الحياة وواهبها لمن يشاء من خلقه.
من هنا بدأت مسيرة الحياة الحقيقية، مسيرة الخلاص والايمان أطلقها يسوع المسيح.
الأب سهيل قاشا

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire