jeudi 2 juin 2011

موضوع العطاء السوسيو تنموي الجمعوي في تيسمسيلت


وإذا كان موضوع العطاء السوسيو تنموي الجمعوي في تيسمسيلت  هو محل مداخلات عديدة في هذا اليوم الدراسي الذي تقوم به الجمعية الوطنية  تيسمسيلت فإن هذه المداخلة ستختصر في نقطة واحدة وهي " مبادئ الإدارة الرشيدة في العمل الجمعوي". للسيد الأمين الولائي . م .محمد
وتناول الإدارة الرشيدة أو الحكم السليم من المواضيع التي لازالت الحوارات بشأنها مفتوحة وفي بداياتها بالنسبة للمجتمعات التي تسمى بالنامية. حيث لازال المفهوم ملفوفا بكثير من الغموض والالتباس سواء لجهة ميلاده أو لهوية انتمائه أو لأبعاده الظاهرة والخفية.
فمفهوم gouvernance يندرج ضمن المفاهيم الأساسية لهذا العقد من الزمن فهو مرتبط ومشدود إلى مفهوم التنمية المستدامة. ومفهوم المجتمع المدني والمواطن المدني. ودولة الحق والقانون...

وإذا كان لهذا المفهوم سيرورته التاريخية الخاصة به بحيث انطلق من القرن 13 بفرنسا وبرز في كتابات ماكيفيل وجون بودان ... بحيث ارتبط بكيفية إدارة الحكومات والدول للشأن العام، فإن هذا المفهوم أبرز وبشكل متوافر في تقارير وبرامج الأمم المتحدة الإنمائية وتقارير البنك الدولي وغيرهما من المؤسسات الدولية . ولفظ governanace في الانجليزية يفيد معنى الرقابة والتوصية والتدبير. ويلح منظور الليبرالية الجديد أن المقصود بال governanace هو الجمع بين الرقابة من الأعلى - الدولة - والرقابة من الأسفل - المجتمع المدني - ويقوم المفهوم على مبادئ أساسية أهمها المشاركة وثقافة المحاسبة وهي تسري على:

الدولة باعتبارها الناظم الأول لمبادئ الأفراد والجماعات، والمرجعية السياسية والقانونية
باعتباره مجال المبادرات الاقتصادية
المجتمع المدني باعتباره نافذة على ممارسة الاستخلاف والمشاركة والمواطنة

لذا فبناء الإدارة وتكريسها يحتاج إلى تكاملية على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويتطلب إجراء إصلاحات دستورية وقانونية في مؤسسات الدولة ونظمها. كما يشترط القيام بإصلاحات اقتصادية ومالية وقانونية للنهوض بالقطاع وتطور علاقاته بالدولة والمجتمع بشكل إيجابي. ولكن هذا ليس كاف إذا لم يتم الإقدام على إصلاحات حقيقة في نضال مؤسسات المجتمع المدني وترشيد سياساتها وبرامجها وعلاقاتها كي تكون رافعة للعمل السيوسيو تنموي وإطارات وفاعلة من أجل صياغة الحياة السياسية والاقتصادية والإدارية الرشيدة على الأصعدة المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية من خلال الإنسان المفكر بالواجب إزاء العالم والعامل بفعالية داخل محيطه وفي ما يخدم صالح العالم. يهدف إلى بناء حضارة إنسانية عالمية قوامها الحرية والصداقة والاحترام المتبادل، حضارة مؤسسة على هيئات ديمقراطية في المجال السياسي، وعلى جهات مبدعة وحرة في المجال الاقتصادي، وعلى ثقافة التدبير الذاتي والفضيلة المدنية والحكمة العملية في الأفق الأخلاقي القادر على تحويل العالم إلى قرية خير.

وإذا كان هذا هو الطموح المنشود فإن التقارير الراصدة للتنمية البشرية والمتتبعة لواقع ومستقبل التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تعكس الوضع الكارثي والمأساوي لواقع الحريات الخاص والعامة. ولوضعية حقوق الإنسان وانخفاض مستويات الدخل وارتقاء نسبة البطالة والتهميش ... عدا وضعية الأطفال والنساء والمسنين... وكذا الحروب والصراعات، هذه العوامل وغيرها تلقي بظلالها على أهداف واستراتيجيات جمعيات المجتمع المدني مما يستهدف ضرورة إجراء مراجعة شاملة لأهدافها وأدوارها وأجهزتها لكي يستجيب بفعالية وميدانية لجميع متغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وذلك لأن استمرار عمل جمعيات المجتمع المدني اعتمادا على الوسائل والأساليب التقليدية التي تفتقر في معظمها إلى أدوات وتقنيات الحكامة الرشيدة كوجود هيئات مرجعية لهذه المؤسسات، ووجود وثائق برنامجية واضحة يتم من خلال الربط المحكم ما بين الأهداف والاستراتجيات والأنشطة، وكذا تحديد واضح لمؤشرات النجاح والفشل.

كما تفتقر هذه المنظمات في معظمها إلى سياسات إدارية ومالية واضحة مما يجعلها محلا للانتقادات. ويمكن حصر أهم ضعف الحركة الجمعوية في :
عدم تداول المسؤوليات داخل المؤسسة الجمعوية
غياب الشفافية حول آليات صناعة القرار فيها.
انعدام نشر المعلومات وتوزيعها فيما يتعلق بأوجه الاتفاق المالي بها
تقلص الاستقلالية تجاه السلطات والجهات المانحة والتقاؤها في أحيان كثيرة
انخفاض التمثلية والتجدر وسط المجتمع المدني

غياب الرؤية الإستراتيجية والبعد السوسيو تنموي عند أغلب أشخاص وأجهزة صناعة القرار داخل المؤسساتالجمعوية والاكتفاء بالخدمات والمشاريع القصيرة الأمد
ضعف التنسيق بين الكيانات الجمعوية وسمته التكرار في برامجها
هذه الصعوبات التي تعتري الحركة الجمعوية وتعين اضطلاعها كقطاع ثالث بمسؤولياتها وتقلص إمكانياتها في رفع التحديات المطروحة عليها، قد تكون نتاج عوامل موضوعية خارجة عن إرداتها. إلا أن هذه العوامل لا يمكن تجاوزها إلا عبر تجاوز العوامل الذاتية اعتمادا على قيم ومبادئ الحكامة الرشيدة وذلك من خلال :
تأسيس قاعدة صحيحة لحياة جمعوية مفكرة بالواجب إزاء العالم وفاعلة عمليا داخل محيطها بشكل نوعيي
تقوية مصداقية هذا القطاع الثالث لدى الفئات المستهدفة وكذا القطاعين الآخرين
شرعية حضوره في القوانين والسياسات السوسيو تنموية كسند متكافئ مع القطاعين العام والخاص.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف جميعا ومن أجل أن يكون القطاع الثالث شريكا مركزيا في التنمية والتحديد نرى أنه من الواجب الإقدام بجرأة حضارية على المراجعة الجذرية للرؤى والأهداف والأدوار السائدة بل والجاثمة على صدر الحركة الجمعوية اعتمادا على الإعمال الجيد لمبادئ الحكامة الرشيدة انطلاقا من ما يلي:
1.
التحديد الواضح لرسالة القطاع الثالث والقدرة على قراءتها بشكل متجدد.
2.
تمكين العاملين والمنتفعين الذين تستهدفهم رسالة هذا القطاع من كل فرص بناء القدرات في الأبعاد المتمثلة في:
تنمية المهارات الثقافية والقاعدة المعرفية.
تنمية قدرات التنظيم الذاتي وإدارة الأعمال السوسيو تنموية
إبداع فرص الحصول على الموارد لتنمية القاعدة الإنتاجية .
وبناء القدرات ضرورة حضارية يجب أن تطال كل الفاعلين والمستهدفين من خدمات القطاع الثالث ولا تقتصر على الأطر والمسؤولين لأن هذا سيسقط الحركة الجمعوية من جديد في براتين السيطرة والاغتراب
3.
توسيع فرص المشاركة في صياغة الرسالة الحضارية للجمعية والتأثير في رسم السياسات التدبيرية لإعمالها وتمكين أعضاء الجمعية من المساهمة الكاملة في صناعة القرارات أي تقاسم المهام والمسؤولية والمنافع ابتداء من إبداء والمبادرة في طرح وتنفيذ المشاريع.
4.
سيادة القانون: توفر الجمعية على قانون أساسي ولوائح داخلية تحدد أهدافها وطبيعة عملها وشروط الحصول على العضوية بها دون تميز، وتقوم على قيم الحق والقانون والحرص على الشورى في صياغة الأمر والتداول في التسيير والعلمية في التفكير والتخطيط، والثقافية في التنفيذ والصرف والتقويم. وسيادة مبدأ فعل اللاتسلط . وجعل تلك القوانين هي أسمى تعبير عن إرادة التنظيم الجمعوي .
5.
الشفافية: والمقصود بها هنا إعمال الحق في الحصول على المعلومات والإخبار والقدرة على الإطلاع على الميزانيات ومراقبة تنفيذ المشاريع والبرامج وكذا متابعتها وتقديمها. بدءا برسالة الجمعية ورؤيتها وأهدافها وسياستها، وطرق العمل والأنشطة، ومرورا بالمد الجغرافي الذي تعمل به الجمعية، ومصادر تمويل مشاريعها وكيفية توظيف المال في صياغة وتحقيق الأغراض وطرق الرقابة الداخلية.
6.
المساواة في إدارة الشأن العام دون تمييز: نعتقد أن القطاع الجمعوي شأن عام يهم كل الأفراد والجماعات سواء كان يكتسي طابعا محليا أو وطنيا أو دوليا لدا فالتفكير به والتطوع من أجل صالحه هو حق لجميع النساء والرجال.
7.
المحاسبة : ويقصد بها امتثال كل أجهزة الجمعية وأفرادها ومرجعياتها للمساءلة والتقويم والمتابعة في حالة التقصير والمتابعة القضائية في حالة التبديد أو استغلال النفوذ أو الإثراء على حساب القيم والأخلاق الجمعوية. وذلك يعرض تحصين الرسالة الحضارية لهذا القطاع الثالث وحماية أهدافها وتمكينه من توطيد مصداقيته وتعميق أواصر الثقة والتفاعل بينه وبين القطاعات الأخرى على قاعدة الاعتماد المتبادل (الشراكة) ولبس الإعانات أو الدعم الذي لا ينبني على مشاريع واضحة ومدققة .
8.
الفعالية : إن أهم معيار لقياس الفعالية بالنسبة للمؤسسة التي تقوم على قيم الحكامة الرشيدة هو ما تقدمه من إضافات نوعية ذات أبعاد سوسيو تنموية تمكن من إدراج برامجها داخل الحياة اليومية. كما تقاس أيضا من خلال قدراتها التنظيمية ومؤهلات مواردها البشرية، وآلياتها التواصلية وأساليبها في تحقيق التفاعل والتشابك مع باقي المؤسسات بقدرات تكاملية بعيدا عن الإجترار والتبعية
9.
الاقتدار المعرفي : الاستراتيجي ويتمثل في القدرة على بلورة رؤى تعتمد البحث العلمي المستوعب للمعطيات الانثروبولوجية الثقافية والاجتماعية في صياغة المشاريع السوسيو تنموية القطاعية والجزئية تم الحرص على كل ما تحتاجه من متطلبات وفي مقدمتها الموارد البشرية المؤهلة
10.
التقويم المؤسساتي : للأداء ويعني الحرص على تعبير الأداء المؤسساتي بكيفية علمية عمودية واقعية. الأولى تعني مدى فعالية التدخلات السوسيو تنموية في صياغة السلوك الجديد لكل فرد استهدفه البرنامج التدخلي للمؤسسة على المستوى الكيفي. أما الثانية فتتوخى قياس مستوى أداء المؤسسة إزاء كل مستهدفيها كيفا وكما.
هذه بعض المبادئ التي تساهم، إذا اجتمعت وتكاملت من الناحية العملية، في الحكامة الرشيدة. وهي شرط للانتقال نفسيا وثقافيا واجتماعيا وحضاريا:
من قرن مضى إلى قرن جديد
من مناخ محلي وإقليمي إلى مناخ عالمي إنساني
من حياة ساكنة إلى حياة متغيرة متنافسة وفق قواعد العدل وتوسيع فرص الإبداع والمبادرة الحرة - من فكر قديم إلى فكر جديد ومتجدد
من الأمس واليوم إلى الغد والمستقبل
من أسلوب تحصين الذات إلى الاجتهاد من أجل تحقيق الذات
عبور من حياة الانتظارية إلى حياة المشاركة والمساهمة في بناء الحياة الإنسانية بقدرات تكاملية متجددة.
وأخيرا يجب التنبيه بأن لتحقيق هذا الانتقال يتطلب التعامل مع مبادئ الحكامة الرشيدة بعمق ودون تقصير أو انتقائية مبدأ دون آخر، مع التركيز على إحداث القطيعة مع ثقافة تنمية الفقر وتنمية التخلف.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire